إن أسوأ شيء ممكن أن يحصل لك هو أن تعيش بلا وعي، والأمة اليوم تعيش بلا وعي، على أطلال أمجاد الماضي، وكذبة قوتنا في الحاضر، ووهم المستقبل لهذا الدين أو الأمة! لو دخل العرب معركة عسكرية، مثلاً، وانتصروا وسيطروا على الأرض فلن أفهم الحكمة الربانية أو الكونية من هذه النتيجة! سأشعر بأن الكون لا يسير وفق قوانين، وأن الله، حاشاه سبحانه، يتخير الناس دون عدالة! لا يمكن أن يحصل هذا، حتى أنني لم أسمع أنه حصل في منام أي عربي! إن الذي من الممكن أن يحصل، وهو بإذن الله سيحصل، هو نهوض هذه الأمة في الداخل، واستنارتها، ووعيها، وهو ما سيجلب لها الدور الريادي في العطاء للبشرية كما كانت يوماً من الأيام. إن المهم الاعتراف أولاً بالتقصير تجاه البشرية، والاعتذار للبشرية على ما عملناه فيها وما جريناها إليه، والاعتذار لله سبحانه وطلب المغفرة منه تجاه ما جنيناه في تشويه صورة نبيه الذي أرسله للعالم رحمة وكتابه الذي أنزله للبشرية هدى، والوعد ثم العمل على اسقاط وتكسير حائط الإيجو المتكبر على لا شيء، وبدأ مرحلة التعلم والوعي الحقيقيين، لا الكذبة والخدعة التي تروى في الفضائيات والدروس والمحاضرات والخطابات السياسية والدينية
وقعت ذبابة على شجرة ضخمة جداً وبعدما أرادت أن تقلع نقرت على الشجرة مراراً وأخبرت: إني نويت الإقلاع فانتبهي! قالت لها الشجرة العظيمة: يا ذبابة أصلاً لم أشعر بك عندما هبطت علي فكيف أشعر بك وأنت ترحلي
قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ) (القصص/4) .. علا .. في الأرض!! انظر التشبيه والتصوير لمن ينظر إلى الأرض من فوق. مثل الدودة علت واستفحلت وهزت عضلاتها .. في الأرض. (أبعدي عني لا أدوس عليك وأنا لا أدري!) حتى النمل أكثر تواضعاً من هؤلاء الذين علوا في الأرض: (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (النمل/18). هناك في مغارات النمل تحت الأرض حوارات ونقاشات وجدل مستمر ومحتدم ومتفيقهات ومتعاليات .. لكن في النهاية: نمل (ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ) أحسن لكم، وقوموا بدوركم الذي من أجله خلقتم وجئتم!
تنتج الدول العربية سنوياً أقل من 650 مليار دولار، وهذا يشكل 2% من انتاج العالم كله، قرابة نصف هذا الانتاج نفط، بينما تستهلك 5% من العالم، هذا يعني لو أنتج الغرب اختراع يقضي على جينيات العرب كلهم لوفر العالم عليه 3%!! انتاج العرب مجتمعين لا يساوي أي من المكسيك أو إسبانيا وحدها. شركتان عملاقتان في أمريكا مثل مبكروسوفت وجوجل أو أبل وياهو تتج أكثر من الدول العربية مجتمعة بنفطها. إن الوعي بالوضع أولى مراحل القوة
إن معرفة مكانك الصحيح من أقوى نقاط القوة حتى لو كنت في موقع ضعيف. أنت في السوق وتريد أن تصل لمحل تجاري معين. وجدت خارطة أمامك. ما هو أهم شيء تريد أن تعرفه أو تحدده أولاً؟ صحيح. الجواب: موقعك الحالي. بدون معرفة موقعك الحالي لن تصل إلى ما تريد إلا بالصدفة. يجب أن تعرف كشخص أو كمجتمع أو كدولة موقعك الحالي ثم تشرع في الوصول إلى أهدافك. إن هذا يحصل حتى لو كنت تريد حرباً لا سلاماً. إن ما فعله صدام في مغامراته ينم عن لا وعي، لا إدراك، إيجو، جهل قاتم؛ فدمر أكبر قوة عربية سدى في أيام، وقُتل، وقُتل أولاده، وشردت عائلته، وأخل بتوازن القوى والسنة في العراق، وضيع القضية الفلسطينية، وزاد التطرف، ودفع الشعب العراقي مئات الآلآف من القتلى والجرحى والخسائر، وضاعت ثروات، وتسببت باحتلال، وارتفعت وتيرة الطائفية والعصبية والإرهاب .. ونجاد حالياً يكرر نفس التجربة، بنفس الطريقة، ويتوقع أن يثير حرباً مع الإمارات أو الكويت أو إسرائيل أو أمريكا .. الخ. بل أن صداماً كان أكثر وعياً منه! والدمار الذي قد يجنيه هذا الإيجو ربما أكثر مما تتصور. إن الإيجو هدفه شيء واحد "أنا" وهذه الأنا قد تكون أحياناً في الداخل "أنا المسلم" أو "أنا العربي" أو "أنا ناصر الحسين" أو "أنا ممهد للمهدي" أو "أنا الأتاتوركي" أو "أنا كويتي أنا" أو "أصيل" أو "أهل بطنها" أو "عز القبيلة" أو "سلفي" أو "حماة الإسلام" أو "دولة العراق الإسلامية" أو "حملة نصرة نبي الإسلام" أو "جيش الرب المسيحي" أو "دولة إسرائيل" أو "الاعتراف بيهودية إسرائيل" أو "كي كي كي" أو "شعب الأري" .. كلها رسالة واحدة يعيش في بيئتها الإيجو. من يقول نفدي محمداً (صلى الله عليه وسلم) بأرواحنا، ويقوم بحرق الأخضر واليابس بسبب لوحة أو رسمة فهذا لا يبت لمحمد صلى الله عليه وسلم بصلة، ومحمد صلى الله عليه وسلم منه براء، وهو في محيط من اللاوعي. من يقوم بإحياء سنة أو نشر مقولة أو نشر آية بطريقة معاصرة أو باختراع جديد أو اكتشاف جميل أو رسم لوحة معبرة هو من يحب محمداً صلى الله عليه وسلم ويحب أن يحبه الناس ويتعلموا نهجه وطريقته. من ينشر تلك المواقع المسيئة للإسلام أو نبيه أو صحبه بحجة محاربتها وإيقافها هو من يعيش بلا وعي وهو أداة بيد المخربين يلعبون به كيفما يشاؤون. هو تبع للمخربين وأصحاب الإيجو أو هو من المخربين وأصحاب الإيجو
وإذا كان هدف الإيجو (الأنا) هو "أمني الخاص" (أنا، جماعتي، قبيلتي، أمتي .. وما شابهها من التفريقات) فإن صورته تتمثل في اللاوعي "الأكذوبة" التي يعيشها الشخص دون علم منه، ومحركها هو الخوف. أي منهجية غالب على فكرها الخوف فهي منهجية تمثل الإيجو؛ لأن "أمني الخاص" هو شعار الإيجو، فأي شيء يخل في هذه المسألة الأساسية هو إخلال بالوجود كله، بالنسبة للإيجو
كم تسمع من المخاوف يومياً من الآخرين؟ الإعلام؟ المشايخ؟ السياسيين؟ الوالدين؟ الأصدقاء؟ التجمعات؟ الخطابات؟ البيانات؟ .. كلها إيجو .. والإيجو لغة الشيطان الاحترافية سريعة النتائج. والخوف الذي نتحدث عنه هو التخويف السلبي الصادر من الإيجو، أما ما يتحدث عنه القرآن الكريم أو السنة النبوية أو يذكره العلامات فهو غير ذلك وأفسره في موضع آخر بإذن الله
اضافة تعليق