الحياة بعدان أو عالمان، عالم صراعات من أجل التحكم، وعالم طليق حر. أكثر من 99% من البشر يعيشون عالم الصراعات، قلة القلة القليلة يعيشون في بعد العالم الحر. حتى رواد هذه الصفحة، وهم ربما الأفضل استنارة في العالم العربي، يقع معظمهم في فخ صراعات التحكم. حتى أنا وفي دراستي لهذا الموضوع من سنين طويلة اكشف نفسي في ممارسة لعب التحكم أو الوقوع في فخها من قبل آخرين من وقت لآخر
سمات العالم الحر
في بعد العالم الحر: شفافية. لقاء مع طاقة الملائكة، حرية، انطلاقة، ابداع، انجاز عظيم في أعمال بسيطة، سحر التجلي للنوايا، ذبذبات عالية تذوب أي طاقة شيطانية أو شريرة، رضى، سلام داخلي عميق وحقيقي، حلول، خيارات، احتماليات أفضل، سعة، انشراحة، حب مطلق.. عالم خالي من الخوف، والتأنيب، والتوتر، والحسد، والغيرة، وحب التملك، ومرض التعلق، والفكر المتحجر، والحكم على الأشياء والآخرين، والحرص المذل، ولبس الأقنعة.. عالم تبدأ ذبذباته في 600 (على مقياس الراشد) وترتفع للألف
قبل الدخول فيه والتعرف عليه دعنا نتعرف على عالم الصراعات من أجل التحكم أولاً
عالم الصراعات: الأنواع الأربعة
النوع الأول: الضحية
ينتابني غضب أحياناً وعدم تعاطف ألبته واشمئزاز من هذا النوع كونه أكثر ما تعرضت وأتعرض له من قبل الآخرين، لذا خذ حذرك، لو أحببت، من قسوة أوصافي وكثرة اشمئزازي منه، مع اعترافي بأني متأثر منه نفسياً، بل متلوع، وهذا يتطلب انتباهك، واعادة تقييم من قبلك
الضحية، أو ما يسميها ماركفيلد، "الفقير أنا" أو بوصف الكويتيين "يا مسكين يا أنا"، وبالأغتية العراقية الشهيرة "أنا المسيجينة أنا، أنا اللي باعوني أنا"، وبالمثل المصري: "جت الحزينة تفرح مال اتلهاش مطرح"، وأمثالها المليئة في كل لهجة عربية، وتسعة أعشار الأغاني العربية والأشعار الدينية. أقول الضحية هي التي تشعر من حولها، في الغالب في النساء، بأنها هي المتضرر الأكبر، المظلوم،. سلبية جداً، منسحبة، تتظاهر بالموت والمرض والتمارض، وأحياناً من عمق الجبن تنتحر أو تمرض.. هدف هذا الشخص هو جذب طاقة واهتمام الآخرين من قبل التعاطف. هذه الاستراتيجية من أخطر الاستراتيجيات في اضعاف الآخرين واخلال توازنهم وايقاعهم في فخ التأنيب والشعور بالواجب
الضحية يشعرك بأنه مظلوم وأنك محاسب يوماً من قبل من ينصره (في الغالب الله). أنت ظالم يجب أن تشعر بالتأنيب أو أنت مظلوم أيضاً يجب أن تتعاطف معي! غالب الفكر الديني المتسلط مبني على هذا الأساس: التعاطف مع الحسين المظلوم، المسيح المصلوب، الأسير المسلوب، "أنا التفت إلى الإسلام في بلد ... تجده كالطير مقصوصاً جناحه"!! "من للمسجد الأقصى المسلوب؟" ثلاثة أرباع الخطاب الديني مبني على المسكنة، والربع الباقي على بقية الدراما المتسلطة التي سنذكرها لاحقاً
خطر الضحية في االأسرة والمجتمع كبير، وأنا شهدت إحدى السيدات من سنين وهي تمارس هذا النوع من التحكم حتى صار جميع أبنائها وبناتها خواتيم بيديها تلعب فيهم كيفما تشاء. مرض ابنها الأول وتوفى، ومرض الثاني وتوفى، ولها ولدان مريضان الآن، وهي الآن في سن كبيرة مريضة بدأت تفقد التذكر ومع ذلك كلهم محيطون بها، شبه معطلة حياتهم بها! كل مسلسل كويتي كتب تقريباً هو تعزيز رخيص ومؤذي لهذا المعنى. أنا لا أستطيع أن أصف لك مدى اشمئزازي من المسلسلات الكويتية والتركية
من الشعوب التي وقعت في هذا الفخ الشعب الفلسطيني، ليس كله طبعاً، لكن غالب عليه: "وينكم يا عرب؟"، والعتب المستمر، والصراعات الدرامية الداخلية والخارجية, وقد أوقعه الاسرئيليون في هذا الفخ واستسلموا له. بالمقابل فإن الخصم معزز لهذا المعنى، بنى كيان دولته على هذا المزعم الكبير والدراما الخطيرة بأنه شعب تعرض للاضطهاد والظلم والقتل من قبل النازيين، فحقت له دولة مستقلة وحياة كريمة. ولأنه مضطهد - بفتح الضاد - فإنه يمارس الاضطهاد اليوم! كما حال كل المضطهدين، فالضحية خطير جداً لو تحكم، اذ سيمارس الاضطهاد والظلم لأنه تعود على هذه الطاقة وارتضاها حتى صارت دائرة الارتياح الخاصة به
أنت والضحية
يجب أن تعرف شيئاً مهماً. أنت بشر، تجتهد، تخطئ وتصيب، كما يجب أن تعرف أن الناس تموت وتمرض وتتعس وتتلف وتفتقر لأنها تختار في العمق ذلك! أنت لا تستطيع أن تتعس أي انسان، ولا أن تمرضه، ولا أن تقتله، ولا أن تفقره، هذا مزعم فوق قدراتك، هذه صفة الألوهية، ومتأسف أقول لك، أنك لا تملكها ولن تملكها يوما من الأيام. دع الخلق للخالق. سر على الطريق الصحيح، لا يهمك من تراجع، (يا أيها اللذين آمنوا عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا أهتديتم)، "قل أمنت بالله ثم استقم". يجب على كل قائد ومربي ومسؤول عادل أن يدرك أن الناس ستشعره بالتأنيب طوال الوقت، ولو انقاد لهم لدمروه ودمروا أنفسهم. المتمسكنون مدمرون، يعيشون الضحية ثم اذا تمكنوا عيشوا الناس ضحية. ولتعرف ذلك فانظرهم كيف يرون خصومهم! يدعون عليهم بأشد الأدعية والعقابات، ولو كان الأمر لهم لتحكموا في الله ليبطش لهم وينتقم لهم طوال الوقت. والضحية ظالم في طاقته لذلك هو يجلب طاقة الظلم والظالمين طوال الوقت. ولو وضعته في بيئة آمنة يختلق مشكلة فيها ظالم ومظلوم!
اضافة تعليق