عندما تتأمل رمال الشاطئ المتناثرة في موج البحر... كيف أنها تروح جيئةً وذهاباً مع تلك الأمواج... بدون مقاومة أو خوف... وإنما بكل سلامٍ وتسليم... وكأن البحر يغازل حبة الرمل ويداعبها مع كل موجة... إنه التناغم المطلق في الطبيعة... وفي كل ذرة وكل كون... هنا تجد الشجاعة الحقيقية في البحث عن الحياة ذاتها... لا بالعودة إلى الماضي الميت أو الغوص في وهم المستقبل... إنها الآن وفقط الآن...
في هذه اللحظة الحاضرة التي تبدد الزمان والمكان... إلى روح الإنسان... بأن تقول نعم للوجود الذي يحضنك... كما يقولها الطفل لأمهِ... كما تقولها الشجرة للأرض والرياح والشمس... كما تقولها السمكة للمحيط... وكل خلية في جسمك تقولها أيضاً... وأنت كذلك... من أعماق قلبك... كالعاشق الذي يفتح قلبه وروحه للمعشوق... لتزول كل الحواجز والحدود... إلى اللامحدود في هذا الوجود وقبله وبعده...
جذور الإنسان ممتدة عميقاً في الوجود كشجرةٍ مباركة... فلماذا تقاوم الحياة؟ لمن هذه الـ "لا"؟ أهي لأمك الأرض؟ أم للسماء الزرقاء التي تحلق روحك فيها؟ أو للشمس التي تتغسّل بنورها..؟
إن من يقاوم الحياة يموت شيئاً فشيئاً... هذه الحياة التي تتدفق فيك مع كل نَفَس... وتنعش قلبك مع كل لحظة وكل آن... فكُن ناي الحياة... يعزف لحناً إلهياً أبدياً... يا صاحب المكان والزمان...
الإنسان الشجاع ينظر حوله، ويشعر بقلبه... ليرى بروحه أنه جزء من هذا الوجود الواحد... من هذا الكل اللامتناهي في هذه اللحظة وكل لحظة... فيصمت فكره وتتطمئن نفسه في سكينة الساكن في كل جسد وكل أحد يـا واحد يـا أحد... ليقولها بكل محبة وثقة... نعم للحيـاة.
إنه مستعد ليغامر بكل شيء عرفه طوال عمره لأجل هذه الـ "نَعم"... من أجل تلك اللحظات التي رشف بها قليلاً من نبع الحياة الأبدية... لكي يستسلم لماء النهر العذب الصافي الذي يسير رقراقاً متلألئاً في ضوء القمر والشمس إلى المحيـط الواسع اللامحدود.
الشجاعة الحقيقية هي أن تكون حاضراً لتغامر بنفسك أيضاً في سبيل نفحة من الحب الصافي... وتستمر المغامرة... حتى بتلك النفحات إلى أن تفنى في المحبة... لأنك لن تعرف المحبة الحقيقية إلا عندما تذوب تماماً وتتوحد مع المصدر... مع الأكوان والمكوِّن... هذا هو الفناء في البقاء... فلا تقف متفرِّجاً على الشاطئ مع كل تلك الكتب والخرائط والاعتقادات المعقَّدة... ارمها بعيداً واقفز في أحضان المحيـط... أحضان الحيـاة...
إن الإنسان يبحث عن الله أو الحياة ضمن حدود معينة... ونسي أنه يبحث عن اللامحدود... فكيف تضع تصوراً مسبقاً أو حداً ما لبحثك! إنك لن تجده بذلك أبداً... بل ستبقى مكانك بتعاستك وبؤسك وقيودك التي تظنها حياةً... وصلاتك التي تظنها صلةً وما أنت بمكفول ولا موصول... بل في بحور الشيطان تسبح وتجول.
اضافة تعليق