الأربعاء، 21 يونيو 2017

نور البصيرة - أوشو



تظنّ أنك تعيش، لكنك لا تعيش... تظن أنك تُحب، لكنك لا تُحب... أنت فقط تفكر في الحب، تفكر في الحياة، تفكر في الوجود، وهذا التفكير هو السؤال، هذا التفكير هو الحاجز! ارمِ كل الأفكار وانظر، لن تجد سؤالاً واحداً، ما يوجد هو الجواب فقط!


ومن أجل ذلك أُصرّ دائماً أن البحث الحقيقي ل
يس عن الجواب، البحث ليس لكي تجد جواباً على سؤالك، بل يجب أن تفكر فقط كيف سترمي الأسئلة، كيف سترى الوجود والحياة بدون تساؤلات الفكر. هذا هو معنى الثقة بالكون ومُبدعه، هذا هو أعمق معنى للثقة والتسليم... أن تنظر للوجود بذهنٍ خالٍ من الأسئلة. أنت تنظر ببساطة، ليس لديك أي فكرة كيف تنظر إليه، لا تفرض عليه شكلاً معيناً، ليس لديك أي حكم مُسبق...

تنظر ببساطة وبعيون مجرّدة، مكشوفة لا تغطيها أي أفكار، أي نظريات، أي معتقدات، تنظر للوجود بعيني طفلٍ صغير، وعندها فجأة لا يوجد إلا الجواب.في الوجود ليس هناك أسئلة. الأسئلة تأتي منك أنت، ولسوف تأتي وتأتي... ويمكنك أن تُكدّس الكثير من الأجوبة كما يحلو لك.. لكن تلك الأجوبة لن تساعدك. عليك أن تصل إلى الجواب، ولتصل إليه عليك أن ترمي كل الأسئلة.

عندما يخلو الذهن من الأسئلة ستصبح الرؤية واضحة، وذهنك صافٍ، وأبواب البصيرة ستصبح نظيفة ومفتوحة، وفجأة... يصبح كل شيء شفافاً. تستطيع أن تغوص في العمق حيثما نظرتَ، فنظرتك تخترق إلى المركز، إلى الجوهر... وهناك فجأة ستجد نفسك. ستجد نفسك في كل مكان. تجد نفسك في صخرة إذا نظرت إلى العمق، العمق الكافي، عندها المُشاهد يصبح المَشهود، والناظر يصبح المنظور، والعالِم يصبح المعلوم.


إ
كل قطرة ندى تحتوي محيطاتٍ بداخلها، وكل المحيطات تكوّنت من قطرات الندى. المُرِيد الحقيقي لا ينشغل بالهدف. المُرِيد الحقيقي يهتم بالبداية الصحيحة، وأنت مُباركٌ لأن البداية الصحيحة قد حدثت. متى يصل القارب إلى الشاطئ الأخر..... لا وجود للشاطئ الآخر! وليس هناك إلا شاطئٌ واحد... فالمسألة لا تتعلق بالوصول إلى مكان ما، بقدر ما هي مسألة صحوةٍ، الآن وهنا.... يجب على الصحوة أن تكون دائماًَ: الآن وهنا.

أما القارب الذي أتحدث عنه فهو في الحقيقة ليس بقارب، إنني أتحدث عن تحوّلك إلى إنسان واعٍ.. أي أن تصبح أنت القارب.....!! عندما ننام نكون في المكان الذي نريده، أو الذي قُدّر لنا أن نكون فيه..والبشر يحلمون بدخول الجنة، إلا أنهم يغطّون في نوم عميق، وهذا ما يمنعهم من دخولها، ومع الوقت تصبح تلك الأحلام هي الحقيقة بالنسبة لهم، أما الحقيقة الصافية تتلاشى وتتحول إلى كذبة....


لستَ بحاجة إلى الذهاب إلى أي مكان... فالتأمل ليس رحلة في الفضاء ولا رحلة في الزمن بل هو وعي لحظيّ............ إذا استطعتَ أن تكون صامتاً الآن.. فهذا هو الشاطئ الآخر... إذا استطعتَ أن تُلزم عقلك بالتوقّف وعدم العمل.. فهذا هو الشاطئ الآخر إلا أن العقل ذكي جداً ومخادع كبير فهو يحرّف كل التعاليم العظيمة، ويقفز فوق الكلمات ويمسك بها ثم يبدأ بإعطاء معانٍ جديدة لها، ليست في الواقع معانيها الحقيقية...


نعم... لقد تحدّثتُ مرة عن الشاطئ الآخر، وربما قام عقلك بالتقاط الكلمات.. الشاطئ الآخر.... إلا أنك أسأتَ الفهم.... كن واعياًَ، وهذا الشاطئ أي الوعي سيصبح الشاطئ الآخر وهذه اللحظة ستصبح الحياة الأبدية.


وهذا المكان سيصبح الجنّة.... تذكّر... الوعي ليس بحاجة إلى وقت، ليس بحاجة حتى إلى جزء من الثانية لكي يحدث... إنه يتحقق برغبة جامحة تظهر بداخلك... نوعيّة شديدة من الرغبة التي تحولك إلى نار مُحرقة لتحترق معها... ومن خلال تلك النار فإن القديم فيك سيذهب والجديد سيصل..... على الرغم من أن القديم لم يكن موجوداًَ أصلاًَ في داخلك، بل أنت فقط اعتقدتَ بوجوده!!!... والجديد كان في داخلك منذ الأزل.... إلا أنك نسيتَ ذلك..... لا وجود لحقيقتان في هذا العالم... إنها حقيقة واحدة موحَّدة.... فلا تفرّ من نفسك، لا تذهب إلى كهوف الهملايا ولا إلى أي مكان آخر، لأنه عليك أن تصبح واعياًَ في مكانك بالضبط..... وفي الحقيقة، من الأسهل أن تصبح واعياً هنا أكثر من ذهابك إلى الهملايا!


لأنك إذا كنتَ تعاني في نومك... ولاوعيك، من كابوس ما... فالصحوة ستكون أسهل، أما إذا كنتَ تحلم بأحلام جميلة فالصحوة ستكون أصعب بكثير.... كالذي يحلم بأنه مع مَن يحبّ، فيكون إيقاظه صعباً، حتى أنك قد تتحول في نظره إلى عدو.......!!! أما إذا كنتَ مطارداً من قِبل نمر مخيف يريد افتراسك، وكلما اقتربَ منك شعرتَ به خلفك... عندها ستكون في منتهى التسامح والشكر لمَن يقوم بإيقاظك!


في كهوف الهملايا ستحلم بأحلام جميلة... وهذا ما يفعله النُسّاك في الصوامع... يحلمون بالله، والملائكة والجنة، والسلام الأبدي... بينما يتعذب ويعاني البشر في العالم من الكوابيس المزعجة.... كوابيس المال والبورصات... كوابيس قوة السياسة والأعمال... لذا من الأسهل أن تصبح واعياًَ هنا في مثل هذا المحيط من الناس... لأنك إنْ لم تستطع أن تصبح واعياًَ هنا، فلن تصبح واعياًَ في أيّ مكان آخر. 


لكن تذكّر..... ودعني أكررها: لا وجود إلا لحقيقة واحدة. لكن بإمكاننا رؤية تلك الحقيقة بوجهين مختلفين:الوجه الأول: بعينين نائمتين حالمتين، بعينين مليئتين بالغبار...... وعندئذٍِ كل ما ستراه سيكون مشوهاًَ.


والوجه الثاني: الحقيقة نفسها يمكننا رؤيتها بعيون يقظة، وبصيرة مفتوحة.... وعندئذٍِ مهما رأيت سيكون حقيقة... والحقيقة تُحرّر.... 


أوشو 
اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2016 مدونـة يقظة وعــي