الخميس، 8 يونيو 2017

تأملات نورانية - بديع الزمان النورسي




إن جميع أنواع السعادة الحقة، والسرور الخالص،
 والنعمة التي ما بعدها نعمة، واللذة التي لا تفوقها لذة،
 إنما هي في “ معرفة الله “ .. في “ محبة الله “
 . فلا سعادة، ولا مسرة، ولا نعمة حقاً بدونها. .



********************

أيها الإنسان! لا تتوهم أنك ماضٍ إلى الفناء، والعدم، والعبث،
والظلمات، والنسيان، والتفسخ، والتحطم، والانهشام،
والغرق في الكثرة والانعدام. بل أنت ذاهب إلى البقاء
لا إلى الفناء، وأنت مسوق إلى الوجود الدائم لا إلى العدم،
وأنت ماضٍ إلى عالم النور لا إلى الظلمات وأنت سائر نحو مولاكومالكك الحق، وأنت عائد إلى مقر سلطان الكون.. سلطان الوجود..سترتاح وتنشرح في ميدان التوحيد دون الغرق في الكثرة أبداً، فأنت متوجه إلى اللقاء والوصال دون البعاد والفراق!.



********************

مهما كان الإنسان فاعلا ذا اختيار إلا أن المشيئة الإلهية
هي الاصل، والقدر الإلهي حاكم مهيمن والمشيئة الإلهية
ترد المشيئة الإنسانية،بمضمون قوله تعالى
(وما تشاؤون إلاّ انْ يشاء الله (الإنسان:30 )
وإذا جاء القدر عمي البصر، فينفذ حكمه،
وإذا ما تكلم القدر تسكت القدرة البشرية، ويصمت الاختيار الجزئي.

********************


إن النباتات والأشجار المثمرة المفتقرة إلى الرزق
 وهي التي تعدّ نوعاً من الأحياء ـ تُهرع إليها أرزاقُها سريعةً
 وهي منتصبة في أماكنها متّسمة بالتوكل والقناعة
دون أن يبدو منها أثر للحرص، بل تتفوق على
 الحيوانات في تكاثرها وتربية ما تولّد من ثمرات.
 أما الحيوانات فلا تحصل على أرزاقها إلا بعد جهد
ومشقة وبكمية زهيدة ناقصة، ذلك لأنها تلهث
 وراءها بحرص، وتسعى في البحث عنها حثيثاً.
 حتى إننا نرى في عالم الحيوان نفسه
أن الأرزاق تُسبغ على الصغار الذين يعبِّرون
عن توكلهم على الله بلسان حالات ضعفهم وعجزهم،
 فيُرسَل إليهم رزقُهم المشروع اللطيف الكامل من خزينة الرحمة الإلهية. بينما لا تحصل الحيوانات المفترسة التي تنقضّ
على فرائسها بحرص شديد إلاّ بعد لأيٍ كبير وتحرٍ عظيم.



********************

إن الخالق ذا الجلال والإكرام الذي هو الرحمن الرحيم وهو اللطيف الكريم ـبشهادة ما في الكون أجمع ـ
حينما يرسل الأطفال إلى الدنيا فإنه يرسل أرزاقهم
عقبهم مباشرة في منتهى اللطف؛ كانقذاف ما في الأثداء
 وتفجيره كالينابيع إلى أفواههم، كذلك فإن أرزاق العجزة ـ
الذين دخلوا في عداد الأطفال بل هم أحق بالمرحمة
وأحوج إلى الرأفة ـ يرسلها لهم سبحانه وتعالى بصورة بَرَكَة،
 ولا يحمّل الأشحاء من الناس إعاشة هؤلاء ولا يدعها لهم.


********************

الموت ليس تخريباً وانطفاءً كي يسند إلى الأسباب، ويحال على الطبيعة، بل الموت مهما يبد ظاهراً انحلالاً وانطفاءً
إلاّ أنه في الحقيقة مبدأ ومقدمة لحياة باقية للإنسان
وعنوان لتلك الحياة، مثلما تضمر البذرة تحت الأرض وتموت ظاهراً إلا أنها تمضي باطناً من حياة البذرة الجزئية إلى حياة السنبل الكلية.



********************

علم يقيناً أن أسمى غاية للخلق،
 وأعظم نتيجة للفطرة الانسانية.. هو “ الإيمان بالله “ .
. وأعلم أن أعلى مرتبة للإنسانية، وأفضل مقام للبشرية.. هو “ معرفة الله “ التي في ذلك الإيمان.. واعلم أن أزهى سعادة للإنس والجن،وأحلى نعمة.. هو “ محبة الله “ النابعة من تلك المعرفة.. واعلم أن أصفى سرور لروح الإنسان، وأنقى بهجة لقلبه.. هو “ اللذة الروحية “ المترشحة من تلك المحبة.



********************

أيها الإنسان! لا تحسب أنك مالك نفسك..
 كلا.. لأنك لا تقدر على أن تدير أمور نفسك.
. وذلك حمل ثقيل، وعبء كبير،ولا يمكنك أن تحافظ عليها، فتنجيها من البلايا والرزايا، وتوفر لها لوازم حياتك..
 فلا تجرّع نفسك إذن الآلام سدىً، فتلقي بها في أحضان القلق والاضطراب دون جدوى، فالملك ليس لك، وإنما لغيرك، وذلك المالك قادر، وهو رحيم. فاستند إلى قدرته، ولا تتهم رحمته.. دع ما كدر، خذ ما صفا.. انبذ الصعاب والأوصاب وتنفـس الصعـداء، وحز على الـهـنـاء والسعادة


********************


أيها الإنسان! لا تقاس الألم بزوال النعمة،
لأن خزائن الرحمة لا تنفد، ولا تصرخ من زوال اللذة،
 لأن تلك النعمة ليست إلاّ ثمرة رحمة واسعة لا نهاية لها.
 فالثمار تتعاقب ما دامت الشجرة باقية.



********************

بديع الزمان النورسي
اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2016 مدونـة يقظة وعــي